التحليل النفسي والفلسفي لشخصية الجوكر!

تحليل الجوكر

قبل أن تقرأ:
هذا المقال مهدى إلى جوناثان نولان والراحل هيث ليدجر و يعتمد على شخصية الجوكر كما ظهرت فى فيلم The Dark Knight فقط.

مبدئياً ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو تفكيرى فى سؤال بعينه هو: هل يمكن قيام فلسفة للجوكر؟! قد تكون الإجابة بالنفى هى الحل الأسهل، فالجوكر لم يترك لنا كتباً لنرصد منها فلسفته أو نتحقق منها حول اتساق آرائه منطقياً، ولكنى لا أريد أن أتوقف عند الحل السهل بل إنى سأجرؤ وأجيب على السؤال بنعم: يمكن رصد فلسفة للجوكر، ذلك من خلال أسلوب حياته الأبلغ من أى كتاب فلسفى، وأعتقد أن الجوكر – حقق بشكل غير دقيق – حلم الوجوديين بأن يكون التفلسف أسلوب حياة وليس تأمل ينعكس على الأوراق فى غرفة بمكتب برجوازى، واعتقادى هذا نابع أيضاً من إيمانى باتساع قيم الأشكال الفلسفية، نيتشه فى كتابه الفلسفى الأهم (هكذا تكلم زرادشت) لم يستعن بالنسق المكتمل (مثل سلفيه كانط وهيجل ومعهما شوبنهاور) فى عرض فلسفته، بل لأضرب مثلين أكثر دقة واقتراباً – فى الشكل – من نمط الجوكر؛ فهل كتب سقراط شيئاً؟ هل كتب المسيح شيئاً؟ باعتبار أن المسيحية تحتوى على فلسفة بل هى أبرز الديانات الإبراهيمية التى تأثرت بالفلسفات المعاصرة لها. مثالاي لم يكتبا فلسفة ولكنهما كانا مفكرين وفيلسوفين عرفنا آراءهما الهامة من خلال أسلوب حياتهما، كذلك الجوكر.

لذلك ستكون مهمتى فى هذا المقال أقرب لمهمة أفلاطون (حافظ تراث سقراط) بالنسبة لسقراط، ومثل كتبة الأناجيل الأربعة بالنسبة للمسيح، ربما أدنو أو أبتعد من الأيقونية التى مارسها أفلاطون أو التقديس الذى قام به كتاب الأناجيل، ولكن ما أستطيع قوله هو إننى أقوم بهذه المهمة بكل ما أوتيت به من شغف واعتزاز.

ولكن قبل أن أبدأ فى نقطتى الأولى أريد أن أمهد لها بتأكيدي على أن اختلاف أسلوب التعبير الفلسفي عند الجوكر يستلزم بالضرورة اختلاف فى التعامل التحليلى معه، قلت أننى سأستخرج فلسفته من خلال أسلوب حياته لذلك فلا مفر من استخدام تقنيات نفسية (التحليل النفسى بصفة خاصة) فى توضيح أفكاري، ولكن استخدامي للتحليل النفسى أو لأى مفهوم مستمد من نسق فلسفى لا يعنى إلتزامى المطلق والمغلق بهذا المفهوم، إنما أتجول بين هذه الأفكار لأقدم نسقاً أقرب للصدق لفلسفة الجوكر كما ظهرت من خلال حياته.

من أين أتت الندوب؟!

يبدو لنا الجوكر وكأنه جاء من لا مكان، يظهر فجأة فى مدينة جوثام ليقلب فيها الأمور رأساً على عقب، ونحن لا نمتلك أى دليل محدد عن ماضى الجوكر، حتى أن كوميشينر جوردون عندما ألقى القبض عليه لم يستطع الوصول لأى معلومة عنه. وعلينا أن نتساءل: هل انعزل الجوكر مثل بوذا أو المسيح أو زرادشت (نيتشه) ليتأمل أو يقرأ، هذا ممكن، أم أن الأمر كله كان نتاج حياة وخبرات ممتلئة صاغت آراءه وأفكاره عن العالم؟ كل ما نستطيع الجزم به هو أنه من المستحيل أن يكون الجوكر بلا ماضِ، وطريقنا الوحيد لمعرفة ماضيه هو آراءه وأقواله نفسه، التى لا بد من تحليلها ومعرفة ما يدل منها على تاريخه.

لقد تحدث الجوكر مرتين عن مصدر الندوب حول فمه، فى المرة الأولى قال لأحد رؤساء العصابات (جامبل) إن سبب الندوب هو أبيه الذى كان سكيراً وشريراً وهاجم أمه مرة بسكين، فلما رأى ابنه (الجوكر) متجهماً تحول إليه و قطع فمه قائلاً “لما انت جاد جداً؟”. فى المرة الثانية قال الجوكر لريتشيل إن سبب الندوب هو أن زوجته الجميلة، التى كانت تؤنبه لأنه لا يبتسم كثيراً، كانت تخوض المراهنات، والأرجح أنها كانت تستدين ولا تستطيع رد النقود، فشوه المرابون وجهها، ولم يكن لديهما أموال لإجراء عمليات تجميل، فاكتأبت، ولكى يثبت لها الجوكر أنه لا يهتم بالندوب – حسب قوله – شوه وجهه هو أيضاً، وأضاف أن زوجته لم تحتمل وجهه بعد ذلك وهجرته.

منطقيا فهذين التفسيرين متضادين، فمن المستحيل أن يصدقا معاً مع إمكانية كذبهما معا، وهذا ما يمكن أن يسارع إليه الذهن البشرى فى هذه الحالة، ولكنى لن أسارع بإصدار هذا الحكم المنطقي، بل على العكس، سوف أفترض أن هذين التفسيرين صحيحين، لا أعنى بذلك أنهما المصدر المباشر للندوب حول فم الجوكر، فقد يكون سبب ذلك مصدر آخر، ولكنى أرى أن ذكر الجوكر لهاتين القصتين فى جو متوتر وبهذا الانفعال الملحوظ هو شيء له دلالته، وسيؤدى بنا إلى معرفة مصدر الندوب (1) فى شخصية الجوكر.

الجوكر ربط – بوعى أو بغير وعى – الآلام التى تعرض لها أثناء الجرح الذى حدث بفمه بالآلام التى تعرض لها من علاقته بأبيه وزوجته، مما جعله يضع المواقف الثلاثة على مستوى واحد فى الذاكرة، أذكر أننى قرأت رأياً للفيلسوف الأوروبي جان جاك روسو يقول فيه إن الذاكرة هى الفيصل فى تأصيل الشعور بالألم، لأن الامتداد الزمنى الحاضر للألم الجسدانى يكون ضيقا للغاية. (2)

نستنتج من هذا أن مشاعر الجوكر المبكرة تجاه العالم كانت مزدوجة، تتكون من كراهية وحب، فقد كره الجوكر أباه وأحب أمه (فى ثنائية فرويدية تقليدية)، كراهيته لأبيه الشرير – وفقا للقيم التقليدية للحضارة – جعلت الجوكر ينضج مرتبكاً، لم يصبح مثالاً سليماً يحتذى به وفقا لطبائع الأمور، فأصبح أمام الجوكر طريقان، إما أن يصبح طيباً أو أن يكون شريراً بشكل أكثر إبداعاً من أبيه (نموذج الأب: مجرد سكير يهان فى الخارج ويمارس ساديته وعنفه على أم وطفل ضعيفين). (3)

كان اختيار الجوكر فى البداية أكثر هدوءاً، خاصة أن مثال الأم مازال فى ذهنه معقولاً؛ أحب الجوكر أمه فى صورة زوجته الجميلة، فمازالت هى الصنم الباقى، ولكن زوجته لم تكن تأبه به، استدانت وشُوهت، كما شُوهت أمه من قبل، وبذلك سقط آخر شيء يمكن أن يُبقي الجوكر عاقلاً بالمعنى التقليدى للكلمة.

هنا أتوقف، وأنا لا أريد أن أسير على نهج التحليل النفسي إلى النهاية، فوضع الجوكر الحالى ليس تلقائياً حتمياً كما سيستنتج التحليل النفسي إنما هو وضع قائم على اختيار، فقد كان على الجوكر أن يختار، لا شك أن المسار التلقائى والحتمى أثّر على الجوكر، ولكن تأثيره تمثل فى جعل موقفه الوجودى أكثر ثراء. كان من الممكن أن يصير الجوكر متجهماً وعدمياً ويمضي ببساطة ليشنق نفسه. ولكن الجوكر ليس مريضاً (إن كان هناك مرضى)، الجوكر فيلسوف على نمط وجودى، وبين خيارىّ (أن أضحى بنفسى أم أضحى بالآخرين؟) اختار الجوكر أن يضحى بالآخرين.. بواسطة الآخرين.

الجوكر…السيد!

أؤكد على (بواسطة الآخرين) التى أنهيت بها النقطة السابقة حتى أظهر عملية تشييئ الآخرين التى قام بها الجوكر. الجوكر هنا يحاول الوصول للسيادة بكل الأساليب التى تحدث عنها هيجل فى (جدل السيد والعبد) (4)، هو يريد أولاً أن يُدرَك To Be Recognized (المسألة هنا مختلطة بنزوعه النفسى للظهور والتميز، كما كان يحاول لفت نظر أمه فى طفولته) (5)، وبذلك يكون عليه أن يكسر الطرف الآخر (أو الأطراف الأخرى) حتى يكونوا عبيداً يعترفون به. هذه الحركة عند هيجل تستلزم ممن يود أن يتسيد أن يخاطر بحياته، فى حين أن من لا يخاطر بحياته لا يتسيد (ومفهوم المخاطرة أساسي أيضاً فى الاتجاهات الوجودية) (6). إذن فكم المخاطرة التى رأيناها من الجوكر: تهديده بتفجير نفسه مع أفراد العصابات، اعطاءه المسدس لهارفى دينت وقبوله بإمكانية قتله، ضحكه الهيستيرى عندما سقط من البناية قبل أن يلتقطه باتمان (7). كل هذه المظاهر ليست تجليات للجنون كما يمكن أن يتصور التفكير السطحى، وإنما تعنى أن الجوكر يفهم قواعد اللعبة (لعبة السيد والعبد) ولا يعنى هذا أنه قرأ هيجل – وإن كان هذا غير مستبعد تماماً – ولكن الأرجح أنه اكتشف ذلك عن طريق خبرته الحياتية العميقة.

اللعب وفقا للجدل الهيجلى عند الجوكر اتخذ شكلاً منحرفاً (مثلما انحرف عن التحليل النفسى كما أوضحت سابقاً)، الجوكر أوهم رجال العصابات أنه يريد خدمتهم مقابل المال، عرض عليهم أن يقتل باتمان، ولكنه فى الحقيقة كان يريد أن يستخدمهم، أن يستعبدهم، أو بمعنى أدق أن يشيّئهم لصالحه. الأحداث التى رأيناها فى مدينة جوثام جعلت الجوكر سيداً على كل أفراد المدينة (الذين كانوا يتحركون بأوامره أو كردود أفعال لتصرفاته) عدا باتمان.

ولكن هل كان الجوكر يريد قتل باتمان حقاً؟!

أنت تكملنى!

قال الجوكر لباتمان وهو يضحك بشكل هيستيرى حتى أنك تتخيله يبكى:

” أنا لا أريد قتلك، ماذا يمكننى أن أفعل بدونك، أعود لأسرق رجال العصابات، لا .. فأنت تكملنى!”

فى جدل السيد والعبد عند هيجل يكون تسيد السيد هو بداية انحداره، وتشييئه للآخرين هو بداية تبلده، ومحوه للآخرين هو بداية تجاهله (Not To Be Recognized) فبعدما يتفوق السيد لا يجد معنى بأن يعترف به من هو أقل منه.

بالطبع باتمان (بأخلاقه ومنطق تفكيره) لا يفهم الجوكر. يقول بروس وين لألفرد: “إن المجرمين ليسوا معقدين.” يقصد أن أفكارهم بسيطة، يريدون بعض المال أو السلطة، ولكن الجوكر لم يكن مجرماً بالطريقة التى يتصورها وين (هذا إذا حسمنا معنى كلمة مجرم أو حسمنا كون الجوكر مجرماً من الأساس).

لا يرغب الجوكر فى قتل باتمان، هذه حقيقة وجودية بالنسبة للجوكر، إن فى موت باتمان موت للجوكر، سقوط فى الفناء، إن أخذنا جدل هيجل بالتفسير الماركسي سيتحول الجوكر (السيد الوحيد فى جوثام) فى حالة موت باتمان إلى برجوازى يجمع المال بلا معنى، يشيّيء الآخرين بلا هدف، سيزيد وزنه وتهدأ طبيعته، ويفقد تلقائياً ذكاءه وحيله. الجوكر يدرك ذلك، سواء عن طريق المنطق أو الغريزة، يدرك أنه (لن يُدرك) بموت باتمان، فهو الوحيد المؤهل لكى يُدركه (Recognizing Him)، لو مات باتمان لكان على الجوكر أن يخترعه اختراعاً، ومثلما كان الجوكر فى طفولته يحاول إثارة اهتمام أمه فى مواجهة أبيه، كذلك أصبح يثير اهتمام العالم فى مواجهة باتمان.

هل الجوكر فوضوى؟!

لا شك أن الجوكر يستخدم بعض الحيل الفوضوية: تدمير المؤسسات، الاستهانة بالقيم البرجوازية (وسنعود للحديث عن هذه النقطة)، وعدم الإهتمام بالمال، هذا غير استخدامه لكلمة الفوضى أكثر من مرة فى حواره مع دينت فى المستشفى:

“قدّم بعض الفوضى Introduce a little anarchy”

“أنا عميل الفوضى I’m an agent of chaos”

من هذه الجهة هو فوضوى بمعنى ما، ولكنه ليس فوضويا بالمعنى الذى تأصّل فى القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، فتلك الفوضوية كانت تنزع للمساواة وتتقارب مع الاشتراكية والإصلاح الاجتماعى. والجوكر فى مقابل هذه الفوضوية لأنه لا يريد تطبيق فلسفته واقعياً لأغراض جماهيرية، إنما هو يريد أن يطبقها فقط من أجل نفسه.

الجوكر بالأحرى هو إنسان متميز، ويشتبك هذا المفهوم – بشكل غير دقيق – بمفهوم الإنسان الأعلى عند نيتشه، فالجوكر يريد تطبيق قيمه الخاصة على العالم التى نعرف أنها لا-قيم (مثلما كان يطلق نيتشه على نفسه أنه: لا-أخلاقى). يقول الجوكر: ” الطريقة المنطقية الوحيدة للعيش فى هذا العالم هى العيش بلا قوانين.”

والجوكر مثله مثل نيتشه (ربما أيضاً مثل ما بعد الحداثيين) فى كتاباته الفلسفية لا يؤمن بالنسق، لا يؤمن بترتيب الأحداث والأفكار، نيتشه كما أسلفنا تمرد على النسق الفلسفى الألمانى (كانط – هيجل – شوبنهاور) وكتب فلسفته فى تأملات و شذرات (فوضوية)، كذلك الجوكر يتمرد على النسق، وعلى عملية التخطيط الإنسانى بشكل عام.

عندما حاول هارفى دينت أن يتهم الجوكر بتخطيطه عملية قتل صديقته ريتشيل، أجابه الجوكر: “أنا لا أخطط، أنا أحاول فقط أن أثبت للمخططين كم هى مثيرة للشفقة محاولاتهم للتحكم فى العالم.”

كل ما يضع العالم داخل نسق يرفضه الجوكر، كأنه يعلن سقوط القصص الكبرى على حد تعبير ليوتار، أو يستنكر الطنطنة الأيدولوجية.

أخلاقهم.. عاداتهم.. إنها نكتة سخيفة!

سأستخدم مصطلح البرجوازية هنا بمعنى مختلف قليلاً، بمعنى العادات والأخلاقيات التى يلتزم بها مجموعة من البشر، ذلك لأننى سأطبق المصطلح على تقاليد رجال العصابات مثلما سأطبقها على مجتمع مدينة جوثام. فهناك أخلاقيات متبعة عند رجال العصابات؛ فمدير بنك العصابات احتقر عملية السرقة التى قام بها الجوكر وقال له: “إن المجرمين هنا كانوا يؤمنون بأشياء كالشرف والاحترام.”

هذا مثار سخرية الجوكر، مثله مثل نكتة مجتمع جوثام المتمثل فى أخلاقه وعاداته، كما قلنا هذه ثورة كثورة نيتشه على قيم عصره. لذلك فقد كان رد الجوكر على مدير البنك:

“أنا أؤمن بأن ما لا يقتلك يجعلك غريباً.” والمقصود “متميزاً” أى إنسان مختلف (أعلى).

وكذلك قال لباتمان:

“أنا لست وحشاً..أنا ذروة المنحنى.”

و أوضح الجوكر لهارفى دينت خواء أخلاقيات مجتمعه، مجتمعه لا يأبه بالقتل فى حد ذاته، فهو يقبل ببساطة مقتل رجال العصابات ويقبل ببساطة مقتل الجنود، ولكنه لا يقبل مقتل أى مسئول فى المدينة كعمدة جوثام، فى حين لا يأبه أحدهم بمقتل ريتشيل مثلاً.

ويسخر الجوكر من برجوازية رجال العصابات بارتداءه مثلهم الملابس الرسمية ولكن بألوان مضحكة، ويجمّل نفسه مثلهم ولكن بشكل مبالغ فيه. فأنا لا أميل لفكرة أن طلاء وجهه كان بغرض إخفاء شيء بقدر ما كان غرضه السخرية والتهكم من عمليات التجميل المعنوية التى يمارسها مجتمع جوثام الطيب منه والشرير.

لماذا فشل الجوكر فى النهاية؟

كما بيّنت الأحداث ففشل الجوكر ليس مطلقاً، فقد نجح بشكل مبهر فى تحويل هارفى دينت فارس المدينة الأبيض وأملها فى مستقبل مشرق إلى ذى الوجهين Two Face وليس هذا بالعمل السهل حقاً.

ولكن المقصود بالفشل هنا هو إخفاقه غير المباشر فى تدمير إحدى العبارتين اللتين كانتا تهددان بعضهما، وبذلك يخسر رهانه مع باتمان الذى أجراه فى قفص جوردون، فقد أخبره أن المجتمع المتحضر سيأكل بعضه فى أقرب فرصة.

ولكن لماذا لم تحدث الكارثة؟

لقد وثق الجوكر فى شرور الناس وأعتقد أنه سيكون أقوى من جبنهم، امتناع رواد العبارتين عن تدمير الأخرى لم يكن سببه عدم كونهم أشراراً -وقد رأينا كيف رغب الجميع فى البداية أن ينفذ التدمير لإنقاذ نفسه – بقدر ما كان سببه هو عدم كونهم شجعاناً.

وحتى المجرمين لم يكونوا شجعاناً، فهذا النمط من المجرمين يقتل بضعة أشخاص من أجل المال، بلا هدف كونى أو موقف من العالم. وقد قال الجوكر: “إن هذه المدينة تستحق طبقة أرقى من المجرمين، وسوف أقدم لهم ذلك.” ولكن فى النهاية يجد الجوكر نفسه وحيداً فى هذه الطبقة، وربما يكون إخفاق الجوكر الأخير هو نقطة ضعفه الوحيدة التى تؤخذ على تطبيقه الفلسفي الذى أوضحناه من خلال أحداث جوثام الأخيرة.

لن أستطيع أن أطلق اسماً محدداً ليكون هو المعبر عن فلسفة الجوكر، ربما أقوم بهذا العمل لاحقاً، أو يقوم به غيرى، ولكنى أرجو أن أكون قد أوضحت – بشكل مقبول – طبيعة هذه الفلسفة، التى استفادت – بوعى أو بغير وعى – من أنماط فلسفية أخرى كالهيجلية و النيتشوية و الفوضوية و الوجودية وما بعد الحداثة، بالإضافة إلى أسلوب الجوكر التطبيقى الذى يتميز به وحده، وبالطبع فهذا لا ينفصل عن طبائعه النفسية المميزة التى ناقشناها باستخدام تقنيات التحليل النفسى. إن الجوكر كما قال يهدف في الأساس إلى إرسال رسالة، ربما لا يلاحظها البعض لاعتقادهم أن الجوكر مجرد غريب الأطوار Freak – هذه الكلمة التى كانت تغضبه – أو مجنون، لذلك فقد قمت بمهمة توضيح هذه الرسالة وعرضها بشكل مرتب لعلها تعنى شيئاً لطبقة أرقى من القراء!

————————-

فى حالة الرغبة فى استخدام المقال بأى شكل، رجاء الاستئذان من الكاتب أولاً.

(1) لا أقصد بكلمة الندوب معنى سلبى؛ أى أنها تشويه للشخصية، بل بالأحرى أقصد التأثيرات البارزة على الشخصية.
(2) عن كتاب (فى علم الكتابة) لجاك ديريدا صـ 360
(3) لا أستطيع أن أجزم أن تمرد الجوكر على الأب كان مطلقاً، هو بالطبع كان شريراً بشكل أكثر تميزاً وإبداعاً من أبيه، ولكنه مارس نفس أسلوب أبيه مثلا فى تعامله مع جامبل.
(4) راجع فقرة جدل السيد والعبد من كتاب (فينومينولوجيا الروح) لهيجل.
(5) وهذا يظهر أيضا فى اختياره لملابسه الغريبة ومساحيقه وإن كان لهذا تفسير آخر سأذكره لاحقاً.
(6) وأذكر أن عبد الرحمن بدوى ربط بشكل ما بين هذه الفكرة عند هيجل وبين الوجوديين فى كتابه فلسفة القانون والسياسة عند هيجل.
(7) وإن كان هناك تفسير آخر لذلك، فالجوكر كان واثقاً أن باتمان لن يتركه يموت حتى لا يكسر قانونه الوحيد بأن لا يقتل أحداً.

Share Button
Avatar photo

أمير زكي

صحفي و مترجم و مدون

رأيان حول “التحليل النفسي والفلسفي لشخصية الجوكر!

  1. مقال شديد الروعة
    ولكن من قبل كنت ارى ان الجوكر ليس بالشخص الفوضوي الذي يحاول أن يقنع الاخرين به، كلامه مع باتمان اثناء تحقيق باتمان معه وكلامه مع هارفي دينت في المستشفى ليسا مقاييس تمامًا.

    لو فكرت جيدًا، بعيدا عن ربط الجوكر بالفلسفات الحديثة، الجوكر في كل خطوة يقوم بها دائمًا يضع خدعة ما في المأزق الذي يسببه، لقد وضع خدعة ما حين أخبر باتمان مكان هارفي دينت ورايتشل ولكن بالعكس، باتمان قال بنفسه There’s always a catch with him في موقف العبارتين حينما أخبر جوردن أنه وجد من خلال الموجات الصوتية مكان الجوكر ومواقع المجرمين والرهائن في ذلك المبنى

    الجوكر مخادع، هو ليس بفوضوي تمامًا، إما أنه يقوم بخدعة ويضع خطة لكل مأزق يصنعه دون أن يضع هدق عام لكل أفعاله، وإنما هناك حطة كبيرة برأسه لكل ما يفعل، ماهي إذن؟

    على شبكة الانترنت انتشرت صورة توضح أن الجوكر عندما وضع المسدس بيد هارفي ليضع حياته – الجوكر – في يد هارفي، كان الجوكر واضه اصبعه على زر الأمان، لم يكن الجوكر ليسمح باحتمالية أن يموت في اختبار كهذا قد يهدد خططه لجوثام.

    وهناك فيديو على اليوتيوب لا أجده حاليا يوضح أنه برغم أن الجوكر مرة تحدث عن أنه يحب استخدام السكين لأنه يستمتع بلحظات الموت الأخيرة وكيف يكشف الناس معدنهم الحقيقي وقتها، في الحقيقية في فيلم the Dark Knight لا تجد مشهدًا فيه قتل بالسكين!
    كل المشاهد بها انفجارات وبنادق ومسدسات، ولكن عندما قبض على الجوكر كان يحمل سكاكين، واستخدم الجوكر بعض من تلك السكاكين المخبئة مثل السكين المخبأ بالحذاء فقط عندما تأزمت الأمور ووجد أنه في النهاية الحرب بينه وبين باتمان ستتوقف على معركة بالأيدي مع باتمان (الذي يرتدي دروعًا ويجيد القتال بالأيدي بالتأكيد)

    ربما نولان اعتمد على مشهد انه عندما تم القبض على الجوكر قالوا انهم وجدوا جيوبه بها سكاكين بالاضافة لاشياء اخري ووضع ذلك المشهد قبل المشهد الذي قال فيه الجوكر جملة “You wanna know why I use a knife?” ليخدع عقلنا … أو من خلال استخدامه للمعلومات المسجلة بعقلنا عن الجوكر من الكوميكس والـanimated movies خاصة the dark knight returnes

    سؤال في النهاية … في أول الفليم في مشهد سرقة البنك ذكر المهرجون (مجرمون الصغار) أن الجوكر يضع على وجهه مكياج كمكياج الحرب … مع الوقت والتأمل في تفكير الجملة صار مكياج الجوكر يعني في عقلي “مكياج حرب”

    وأيضا نجد في the Dark Knight Returnes قناع Bane وطابع ملابسه له طابع حربي قليلًا … لماذا نولان يستخدم تلك الفكرة؟ لماذا يجعل أعداء باتمان مرتبطين في مظهرهم بالحروب والإرهابيون بشكل ما؟

اترك رد