من المجلات المصوَّرة إلى شاشة السينما: رجلٌ سوبر..وامرأة خارقة!

كابتن أميريكا

رجلٌ يتحدى الجاذبية الأرضية، وامرأة تقفز فوق الأسوار. بطلٌ يمتطي السحاب، وبطلة تطير كالخفافيش. رجل يبصر من مسافات سحيقة، وامرأة تسمع من وراء الجدران، أساطير بشرية تتحدى النار فلا تحترق، وتغوص بالبحار فلا تغرق! كلها صور متعددة لفكرة واحدة: أن يكون هناك رجل سوبر، وامرأة خارقة، يحققان لنا بالوهم المرسوم في المجلات المصورة، والخيال السينمائي، ما نعجز عن تحقيقه على أرض الواقع!

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ظهرت أشكال شعبية للدوريات المصوَّرة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل روايات (بالب)، نسبة للورق الرخيص التي تطبع عليه، وكانت تصور قصصًا لمغامرات موجهة لقراء من الذكور تتناول حكايات الحرب، جنبًا إلى جنب مع مغامرات رعاة البقر والخيال العلمي.

 بدأ ناشروا هذه الدوريات الرخيصة البحث عن ألوان جديدة من المطبوعات لزيادة عدد قرائها، لذلك وجهوا النظر إلى الصحف اليومية. وفي سنة 1933 قدم جينز M.C. Gaines ابتكاره لأول مجلة مصورة أسماها المساخر الجديدة NEW FUNNIES وكانت تعيد تقديم ما ينشر  يوميا من شرائح قصصية مصورة وساخرة. كما ظهر بنهاية ذلك العام أول كتاب مصور بعنوان التحرِّي (المُخبر) دان DETECTIVE DAN، حتى حدثت طفرة هائلة حين صدر العدد الأول من مجلة كوميكس الآكشن ACTION COMICS والتي يقوم ببطولتها شاب اسمه سوبرمان Superman في سنة 1938.

أحد أغلفة مجلة المساخر الجديدة

أحد أغلفة مجلة كوميكس الآكشن الشهيرة

 مهَّد سوبرمان الطريق لظهور العصر الذهبي للرسوم المصورة، ومولد أبطال خارقين للعادة، بين تحريين موهوبين، يغزون غرف التحقيق ومواقع الجرائم، ورعاة بقر مهرة، خرجوا من مراعيهم وبراريهم، ليجدوا مكانة دائمة ومميزة عند باعة الصحف. وباعت هذه الكتب المصورة في أربعينيات القرن الماضي ملايين النسخ، حتى جاءت الخمسينيات بوسيط إعلامي جديد قلب الطاولة على الجميع، إذ ظهر التليفزيون ليأسر ألباب العامة، ويصاحب ذلك لجوء تلك المجلات المصورة إلى روايات الرعب، مما جعل توزيعها يهبط بشكل مأساوي.

مجموعة من أشهر أبطال دي سي كوميكس

 سعياً وراء تلافي تلك المأساة لهذا الفن المصور، رأى الناشرون أن يقدموا لقرائهم نجوم الفن على صفحاتهم، ولكن سعي الناشرين في الولايات المتحدة خاب، وتنقلوا بين نوع وآخر، حتى استقر المقام بهم عند أقدام الأطفال حين صنف هذا الفن الجرافيكي المصور بأنه لصغار القراء وحسب.

 لم يكن الأمر كذلك في البلدان الأخرى، حيث استهدفت القصص المصورة أجيالا مختلفة من القراء. ففي اليابان ظهر فن المانجا Manga للرسوم المصورة القصصية، في مطبوعات فردية ومستقلة، ليتحول بعد ذلك إلى ألبوم متكامل، يعتمد على عدة نشرات، يتوجه كل منها إلى فئة عُمرية بعينها.

 وأصبح هذا التوجه (العُمري) شائعا في فرنسا كذلك، ففي 1930 قدم رسام بلجيكي اسمه هيرجيه Herge  قصة مصورة بطلها صبي يافع مع كلبه. وكان عنوان الألبوم الجرافيكي المصور الأول لهذين البطلين المرسومين: تان تان في أرض السوفيتيين TINTIN IN THE LAND OF THE SOVIETS، وقد حقق نجاحاً مذهلاً، وكان باكورة لأعمال هيرجيه لبطله تان تان التي بلغت 24 ألبوماً لروايات جرافيكية مصورة. وإلى قبل عشرين عاماً خلت ظل تان تان شخصية أثيرة تطبع رواياته المصورة في 29 لغة حول العالم، منها اللغة العربية.

صورة تجمع أهم شخصيات مجلة تان تان المصورة

مشهد من احدث افلام تان تان الجرافيكية المذهلة

 من بين سلاسل الروايات الجرافيكية الأكثر شهرة في العالم تأتي سلسلة أستريكس البلجيكية أيضا وأبطالها من بلاد الغال ASTERIX THE GAUL وقد بدأ كتابتها ورسمها في 1961 جوسيني Goscinny وأوديرزو Uderzo، وانتشرت في 30 بلدًا، وصدر منها 37 ألبوماً روائياً مصورًّا.

صورة تجمع أهم شخصيات سلسلة آستريكس المصورة

مشهد من أحد أفلام آستريكس السينمائية

 من أشهر الأبطال الخارقين مجموعة من 20 سلسلة قدمتها دارٌ واحدة هي دار مارفل للشرائح المصورة المسلسلة، وفيها رأينا الرجل العنكبوت، والرجل الأخضر، والرجل الغواص، والشيء ـ الذي قوامه التراب ـ وكابتن أميركا، والمتزلج الفضي، والرجل الحديدي، والرجل الذئب، والأربعة الرائعون، والغامضون، ولم تنس هذه الدار أن تعطي للمرأة مساحتها الواجبة، فظهرت المرأة العنكبوت، والسيدة الحديدية، والمرأة الخارقة، والمرأة الوطواط، وإليكترا، وقد بقيت هذه الشخصيات لسنوات في إطار الرسوم، حتى تحررت إلى شاشتي السينما والحلقات التليفزيونية، ورأينا سلاسل جديدة تستخدم التقنيات السينمائية والإبهار وخدع الفن السابع لإحياء هذه الشخصيات من جديد. وهكذا رأينا سلسلة لأفلام سوبرمان، وباتمان، وسبايدرمان، الذين عرضت أجزاء جديدة لهم مؤخرًا، كما استدعيت أيضًا صور الأبطال الخارقين للعادة في أفلام أخرى مثل الأربعة المدهشين وغيرهم.

مجموعة من أهم أبطال مارفل كوميكس

 وهكذا تحولت الشخصيات الكارتونية إلى أبطال من ورق، بدأت في العام 1895 بظهور شخصية الصبي الأصفر THE YELLOW KID، وسرعان ما أصبحت أول شخصية كارتونية ناجحة تجارياً، وبعد أن ابتكرها ريتشارد آوتكولت Richard Outcault. وأصبح حضور شخصية الصبي الأصفر طاغياً لدرجة أنه زاد من مبيعات الصحف اليومية. ثم أصدرت هيرست في العام 1897 أول طبعة لمجموعة قصص الصبي الأصفر، ليكون ذلك تاريخ أول رواية جرافيكية مصورة مستقلة تحقق نجاحاً ماليا كبيرًا. وما هي إلا سنوات وظهر بطل جديد هو ميكي ماوس، أو بمجيء عصر والت ديزني Walt Disney ليعيد تشكيل ذلك العالم داخل الولايات المتحدة، ثم حول العالم كله وخاصة ما بعد سبعينيات القرن الماضي، حين تأسست عقب الأفلام القصيرة والطويلة موجة من المطبوعات التي تصدرها والت ديزني وتقوم ببطولتها شخصياتها المرحة ويقرأها الملايين بتسعين لغة عالمية، ولكن باتت الحاجة إلى ظهور أبطال غير اعتياديين، يعوضون المتابعين لها عن إخفاقات كثيرة للمواطن العادي في مواجهة المؤسسات في القرنين العشرين والحادي والعشرين.

 بعد ظهور ثقافة السوبر ماركت والأسواق العملاقة ـ منذ 1970 وما بعدها، بدأ ناشرو الروايات المصورة يتجهون إلى السوق بشكل مباشر، مما فتح المجال أمام كتاب ورسامين كثيرين ليستهدفوا شرائح بعينها، وقررت شركة مارفيل المصورة Marvel Comics في 1978 أن تقدم أولى رواياتها المصورة بإنتاج ضخم تأليف ورسوم ستان لي وجاك كيربي اللذين قدما شخصية THE SILVER SURFER. ثم انطلقت روايات مغامرات الخيال العلمي المصورة، وكان ويل آيزنر Will Eisner  أول مبتكر يمتلك الشخصية التي يقدمها، وتحقق نجاحًا مذهلا. وشهد عام 1985 انطلاق سلسلة  DC Comics المصورة، بمسلسلها الروائي الجرافيكي الحراس Watchmen، كما قدمت سلسلة SANDMAN لمبتكرها نيل جايمن، والتي أصبحت أنجح رواية جرافيكية مصورة ومسلسلة في الولايات المتحدة.

أهم شخصيات رواية الحراس المصورة

مشهد من فيلم الحراس او الوتشمن

 وتجدر الإشارة هنا إلى سلسلة الـ99 الروائية الجرافيكية العربية، التي تحمل مفهوما إسلامية متنورا حول 99 فضيلة من فضائل المجتمع الإسلامي، تحاول بطلة المسلسل دانة إبراهيم أن تجمع أبطالا يمثلون هذه الخصال ـ التي ظهرت كأحجار كريمة عثرت عليها الفتاة ـ  لمقاومة الشر، الذي قد يكون شرٍّا شرقيا أو غربيا.

 الإكتشافات العلمية، والهوس بها، جنون هوليود ـ التي جعلت المسافة بين الواقع والسينما ضئيلاً وشاسعاً في الوقت نفسه ـ أضاءت جميعها أرفف الكتب بعوالم شخصيات جديدة، كنت تراها من بعيد: كائنات تعاني الهلع، وأخرى تصارع الفزع، وأطباق طائرة، ومخبرون سريون، وفاتنات جرافيكيات، وأبطال من عائلة هرقل. وإذا كان القلم والريشة والألوان قد صاغا القرن الأول من هذه الرسوم، فإن البرامج الجرافيكية التي تفنن فيها مبدعوا المحركات العقلية الكمبيوترية تقدم الأجيال الجديدة من الروايات الجرافيكية. وفي أساليب هذه الروايات المصورة يمكن النظر إلى الخطوط الصريحة التي تنزع للكمال، مثل شخصية تان تان التي قدمها الفنان البلجيكي هيرجيه Hergé (اسمه الحقيقي جورج ريميه Georges Rémi) والذي ولد قبل مائة عام ورحل في 1983، باعتبارها نموذجاً للرواية الجرافيكية الكلاسيكية.

صورة تدمج كوميكس سبيدرمان مع الفيلم الخاص به!

دمج كوميكس ثور مع الفيلم!

أصبحنا اليوم نسمعُ ليس فقط عن أبطال سوبر، وبطلات خارقات، ولكن عن أشخاص يمتلكون مواهب ليست لدى الأشخاص العاديين، مثل جاك باور بطل سلسلة (24) الأمريكي، وأبطال مسلسل (HEROES) الذين يتمتعون بحواس تفوق مستوى الآخرين، بين سيدة تقلد حركياً ما تراه، أو رجل يعبر الأزمنة، أو شاب يستطيع أن يلغي ذاكرة الآخرين من أدمغتهم، وما شابه. وهكذا، وفي حين كنا نرى في شبابنا في شخصية الممثل ستيف أوستن، بطل (رجل بستة ملايين دولار)، والممثلة جيمي سومرز بطلة (المرأة الخارقة) نموذجين لا يعلى عليهما، فإننا اليوم نتوقع المزيد من رجال سوبر، ونساء خارقات، تفوق التوقعات…فمن يتوقع أكثر؟!

بوستر دعائي لمسلسل هيروز الشهير

Share Button
Avatar photo

أشرف أبو اليزيد

شاعر وروائي من مصر، رئيس تحرير (آسيا إن) ar.theasian.asia محرر مجلة العربي.

رأي واحد حول “من المجلات المصوَّرة إلى شاشة السينما: رجلٌ سوبر..وامرأة خارقة!

اترك رد