الهروب من سوريا، رواية مصورة عن اللاجئين!

“وعندما أرحل.. تأكد أنني بذلت كل ما بوسعي لأبقى!”

منذ اندلاع الثورة السورية، في أعقاب ثورات تونس ومصر وليبيا، والعالم كله يتابع ما يحدث هناك بقلبٍ دامٍ، وهو يشاهد تحول الثورة السورية إلى حربٍ ضروس، يستخدم فيها النظام كل ما في ترسانته من أسلحة محرمة لوأد الثورة الوليدة، ولتثبيت نظام الحكم الدكتاتوري.

تلك الحرب التي جذبت أطراف كثيرة من أنحاء العالم ليتقاتلوا على أرض الشام، من روسيا إلى أمريكا إلى إيران إلى لبنان، كل طرف فيهم يسعى إلى أهدافه الخاصة، وأبرياء الشعب السوري يشاهدون وطنهم وهو يتحول إلى ركام وأطلال.

شاهدنا شبابًا متحمس للذهاب إلى سوريا للقتال تحت راية من الرايات المختلفة، الكل يرى في الحرب الفكرة الشاعرية الحالة، قبل أن يتفاجؤوا بالحرب تكشر عن وجهها القبيح، وهو ما يذكرني بأبيات امرئ القيس حينما قال:

الحرب أول ما تكون فتية … تبدو بزينتها لكل جهول

حتى إذا حميت وشب ضرامها … عادت عجوزا غير ذات خليل

شمطاء جزت رأسها وتنكرت … مكروهة للشم والتقبيل

وبين تلك الحروب والصراعات تشتت الشعب السوري، وخرج اللاجئون يسعون إلى بلدانٍ مختلفة، سواء جيرانهم العرب كلبنان والأردن ومصر، أو وراء البحر المتوسط حيث الدول الأوروبية، ولا شك أن مأساة اللاجئين السوريين هي أفظع المآسي التي يشهدها العقد الحالي، وما تزال مشكلة سوريا بلا حلٍ يلوح في الأفق، وبلا أملٍ لعودة هؤلاء اللاجئين إلى حضن وطنهم.

حالفني الحظ باللقاء مع الكاتبة الكندية ذات الأصول الفلسطينية سامية كُلاب في أسبوع الكومكس الخامس في مصر Egypt Comix Week 5، حيث تحدثت عن فن الكومكس مع الكاتب المصري طارق إمام، واستطعت الحصول على نسختي الموقعة من روايتها المصورة “الهروب من سوريا Escape From Syria” التي تحكي معاناة اللاجئين السوريين.

عايشت الكاتبة أزمة اللاجئين في كندا بنفسها، وكانت من القائمين على التعامل مع المهاجرين السوريين في كندا، وجمعت خيوط هذه القصة من أحداث حقيقية. تتناول الرواية قصة عائلة سورية من حلب، وليد وزوجته داليا وابنته أمينة وابنه يوسف، وأثر هذه الحرب على حياتهم، وكيف واجهوا بشجاعة الحرب والحصار والفقر والمرض.

تبدأ الرواية بمشهد حلب الهادئة الخضراء في عام 2013، ثم يليها الانفجار الذي غير مجرى حياة الكثيرين، وكأن الكاتبة تريد أن تفتح أعيننا على الحقيقة القاسية من الصفحات الأولى للكتاب، ثم تنتقل إلى كندا عام 2018، لنرى العائلة تجاهد للاندماج في هذا المجتمع الجديد، وبين هذين الحدثين تقص الكاتبة أحداث خمسة سنوات من الكفاح.

يصف الكتاب بدقة ما يحدث للاجئين في المخيمات، وما أجبروا على ملاقاته، وطرح وجهات النظر المختلفة لهذا الموقف، وأعجبتني شجاعة الكاتبة في التطرق للعديد من المواضيع السياسية، ففي صفحة 13 تذكر الكاتبة على لسان الأبطال أن أزمة الحرب السورية تمتد جذورها إلى وقت حافظ الأسد ومجيئه إلى الحكم بعد انقلابٍ عسكري سنة 1970، وتصف القمع الذي عانى منه الشعب السوري في عهده وفي عهد ابنه بشار. وأيضًا في صفحة 80 تصف ما يعانيه المواطنون في الرقة تحت حكم داعش الغاشم فكأن الشعب السوري كالمستجير من الرمضاء بالنارِ.

وقد تعاطفت كثيرًا مع أسرة وليد، وأحسست كأنني معهم، أحزن لحزنهم وأخاف لخوفهم، ساهمت الرسومات في إيصال تلك الصور والرسومات إلى القارئ، فالرسم جميل وتستطيع أن تعرف ما تفكر فيه الشخصية بمجرد النظر إلى ملامحها المرسومة في الكتاب، وستشعر بجمال حلب قبل الحرب، وبالحزن على ما آل إليه حالها.

الكتاب تجربة تستحق الخوض، وفي نهايته ازددت تعاطفًا عن ذي قبل مع اللاجئين السوريين في كل مكان، وأتمنى من قلبي أن تنتهي هذه الحرب، وأتمنى أن يستطيع هؤلاء المهاجرين أن يعودوا إلى وطنهم، وأتمنى أن تعود سوريا وحلب خضراء كما كانت!

Share Button
Avatar photo

أحمد صلاح المهدي

كاتب مصري، تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة. هو مؤلف وناقد ومترجم، متخصص في أدب الفانتازيا والخيال العلمي، وقصص الأطفال واليافعين، فكتب عدة مقالات أدبية ونقدية على المواقع العربية، ونشر عددًا من قصص الأطفال في مجلة فارس المصرية. له روايتان منشورتان في مصر بعنوان "ريـــم" وهي من أدب الخيال الغريب و"ملاذ: مدينة البعث" من أدب ما بعد الكارثة الذي يعد فرعًا من الخيال العلمي، ورواية "الشتاء الأسود" في الأردن عن دار آمنة للنشر والتوزيع، كما نشر له قصة الأطفال "الأرنب الشجاع" عن دار أصالة بلبنان بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي. نُشر له الترجمات العربية الأولى للأعمال التالية: رواية "الإله العظيم بان" للكاتب الويلزي آرثر ماكين، ورواية "الوينديجو" للكاتب البريطاني ألجرنون بلاكوود، وقصة الخيميائي لهوارد فيليبس لافكرافت. كما ترجم رواية "النجم الأسود" من أدب الخيال العلمي لمنصة ستوري تيل للكتب الصوتية. ساهم أيضًا بترجمة عددٍ من الروايات المصورة فشارك مع مجموعة كلمات للنشر بالشارقة بترجمة عدة كتب كوميكس وهي "بطل الظل" و"اسم المستخدم إيڤي" و"القلب والعقل" و"خربشات سارة"، بالإضافة لترجمة رواية "التنين الأخير" التي نشرت على موقعيّ بوابة الكوميكس و عرب كوميكس في مصر.

اترك رد