هجوم العمالقة…الفلسفة و الرسائل الخفية!

هجوم العمالقة!

أنمي هجوم العمالقة هو الأنمي الأشهر في العقد الحالي، بعدد مشاهدات يتخطى الملايين ومبيعات للمجلات المصورة (المانجا) بملايين النسخ وتصدرها للأكثر مبيعًا في جميع أنحاء العالم.
النهارده أنا مش هتكلم عن إيجابيات هجوم العمالقة زي القصة القوية والحبكة المذهلة والرسومات المدهشة والمؤثرات القوية وغيرها كتير من العوامل اللي خلت العمل من القوة الكافية لعمل طفرة في مجال الأنمي. والحقيقة أنا كنت من المتابعين للعمل من بداية نزولة لغاية نهايته.
لكن اليوم حابب أتكلم عن بعض الجوانب السيئة في العمل واللي قليل اللي لاحظها، وهتكلم عن فلسفة العمل، والأفكار اللي الكاتب حابب يوجهها للمشاهد بقصد أو من دون قصد.

العمل للي ميعرفش قصته بيتكلم عن عمالقة ضخام بشعين في الهيئة كل حياتهم مرتكزة على أكل البشر، محدش يعرف هما جم منين أو عايزين ايه، كل المعروف إنهم ظهروا فجأة وأبادوا معظم البشر من العالم لغاية ما اختبأ مجموعة من البشر خلف أسوار ضخمة حصينة هروبًا من وحشية العمالقة ورعبهم، ولمدة 100 سنة ظل السور بيحمي آخر من تبقى من البشر لغاية ما جيه اليوم اللي اتدمر فيه ودخلت العمالقة الأسوار وبدأت في أكل البشر، وديه بداية الحلقة الأولى وبداية قصتنا.
القصة شبيهة شوية بقصة يأجوج ومأجوج الكائنات اللي هتظهر في آخر الزمان وتأكل الأخضر واليابس ومحدش من البشر هيقدر يهرب منهم إلا فئة قليلة، وبيطلب الله من المسيح يأخذ من معه ويختبئوا فوق جبل لإن محدش يقدر على يأجوج ومأجوج من البشر، وفي النهاية بيهلكهم الله وينظف الأرض منهم.

العمل في بدايته بيمشي برتم معين متصاعد من الأحداث المشوقة ومش بتظهر فلسفته غير في آخر موسم. فكرة العمل ظهرت في الموسم الأخير في الحلقة اللي اتكلمت عن “يومير فريتز Ymir fritz” مؤسسة جيل العمالقة، وإن قوتها مصدرها مجرد دودة ضخمة في بحيرة، دخلت جوة جسمها وأعطتها قوة العمالقة واللي بدأت يومير تورثها لولادها جيل بعد جيل من أجل مجد إمبراطورية إيلديا.
طبعاً داه أحبط ناس كتير إن سر العمالقة اللي انتظره المتابعين سنين طويلة هو مجرد دودة عشوائية كانت موجودة صدفة في بحيرة ودخلت جوا بنت وقعت في البحيرة، وداه أصل الصراع كله!

لكن الموضوع أعمق من كده شويتين…الكاتب ظهر إنه بنى قصته كلها على نظرية داروين للتطور Evolution، وهي النظرية اللي بتتحدث عن تطور الكائنات من الخلية الأولى (لوكا) واللي ظهرت منها كل أشكال الحياة حسب نظرية التطور، وتطورت الكائنات عشان يظهر منها كل التنوع الموجود في الطبيعة. مش حديثي هنا على صحة نظرية التطور لإن الجدال عليها طويل ولا زال مستمر، ولكن المهم تعرف إن في ثلاثة فرق بآراء مختلفة عن نظرية التطور، الأول هو فريق الملاحدة، واللي شايف إن النظرية ديه هي البديل للخلق ولوجود الله ولقصة آدم وحواء، والنظرية ديه كانت مريحة جدًا للملحدين عشان يطمئنوا لإلحادهم، لإن لو النظرية صحيحة، وكل الكائنات مجرد نتاج عشوائي للتطور الطبيعي وصراع البقاء للأصلح فداه بيلغي فكرة الثواب والعقاب، والجنة والنار، وإن الحياة مجرد عدم، ومصيرنا نموت ونرجع للطبيعة تاني كجزء منها ونروح للعدم بدون حساب أو ثواب أو عقاب، وبدون مراقبة من الله، يعني الحياة مجرد ضربة عشوائية من ضربات المادة. طبعا النظرية لاقت قبول شديد جدًا في المحافل العلمية الأوروبية، وبالأخص من الملحدين اللي احتفوا بيها احتفاء شديد.

أما الفريق الثاني: فهو فريق المؤمنين بإله خلق الكون وسيره، وخلق الخلق ووزع عليهم الأرزاق، وفي يوم القيامة هيجمعهم للحساب ومصيرهم جنة أو جحيم حسب أعمالهم.
الفريق الثاني أنكر النظرية ديه فورًا لإنها بتتعارض مع قصة آدم وحواء ومع قصة الخلق، وبتقول إن مفيش لا آدم ولا حواء، وديه كلها أساطير الناس صنعتها، وإننا في عصر العلم والمعرفة والمفترض ألا نؤمن بأشياء لم نراها كالخالق والملائكة والشياطين، وإن الإيمان يقتصر على الاكتشافات العلمية التجريبية. طبعاً الفريق الثاني بدأ يطعن في النظرية ويثبت إنها معتمدة على كثير من الغيبيات والتكهنات والافتراضات وإن مفيش فيها حاجة يقينية، وبدأت خناقة طويلة بين الفريقين وجدال طويل مستمر حتى الآن.

أما الفريق الثالث: فهو فريق قال إن فعلا في تطور ولكنه موجه من الله عز وجل، يعني التطور هو الطريقة التي استعملها الله لصنع الكائنات وجعلها متنوعة بالشكل المذهل الحالي. الفريق داه قال إن كان في بشر قبل آدم لكنهم كانوا أقرب للقرود، ودولا البشر اللي اتكلم عنهم أصحاب نظرية التطور، وقالوا إنهم الرابط بين البشر وبين القردة العُليا. وبدأوا يحطوا أدلتهم على صحة التطور الموجه من الإله، وإن كل التنوع الحالي والدقة والتناغم في الطبيعة مستحيل تكون نتيجة ضربة حظ عشوائية من الطبيعة، ولكنهم برضوا مقدروش ينكروا نظرية التطور فاضطروا يدمجوها بالدين وبإرادة الله عز وجل.

طيب كاتب هجوم العمالقة تبع أنهي فريق؟
تبع الفريق الأول، الفريق اللي شايف إن الحياة عشوائية، وإن التطور حدث صدفة وإن مفيش إله للكون أو ثواب أو عقاب، أو جنة أو نار، وداه بيتضح في حديث شخصية أرمين في الأنمي لما أقر إنه لا يؤمن بوجود الله، واتضح إن العمالقة هما فقط التطور التالي للبشر ليس أكثر، يعني العمالقة مش نتاج كائن خارق صنعهم أو عقل مدبر، هما مجرد صدفة من الطبيعة تمثلت في الدودة اللي وجدت (يومير) صدفة ودخلت جوا جسمها فاتحولت لأول عملاق في التاريخ. بس كده! الكاتب بيبدأ يظهر أكثر صراحة في أحداث المجلات المصورة واللي لسة متعرضتش في الأنمي، إن الحياة عشوائية وكلها نتيجة التطور، وبيبدأ يتحدث صراحة عن نظرية التطور وتطور الكائنات وصراعها المرير الدامي من أجل البقاء. صراع بيستمر جيل بعد جيل بدون أي هدف أو غاية من الوجود أو من الحياة، بدون أي ثواب بينتظرك في نهاية الطريق، أو عقاب بينتظر كل مجرم أفسد في الأرض ونشر فيها الخراب!

(يومير) ملكة العمالقة بتورث العمالقة جيل بعد جيل بدون هدف يذكر غير البقاء فقط، أو لأجل غريزة البقاء ونقل الجينات من جيل لجيل فقط عشان يظل البشر على قمة الهرم الغذائي لكوكب الأرض، ليس أكثر ولا أقل. مجرد هدف عبثي مفيش غاية منه غير الاستمرار في سلسلة الحياة الممتدة.
الكاتب بيوصف الصراع الدرويني للبقاء عن طريق عمالقة أقوى من البشر بيلتهموا كل أشكال الحياة فقط لإنهم ببساطة أقوى وأشد، ولإنهم الجيل الجديد من الكائنات المتطورة اللي هتستمر في الوجود بعد ما تبيد الكائنات الأضعف منها ألا وهي البشر! لكن القصة بتستمر بإن أخو البطل بيحاول يقضي على نسل العمالقة وينهي الصراع الدموي اللي استمر بسبب قوة العمالقة، وباختفاء نسل (يومير) هيرجع العالم لطبيعته، لكن البطل اللي أصبح بيسعى للبقاء فقط تحت أي ظرف كان، حتى لو قتل العالم كله، بالفعل بيقرر يقتل العالم كله باستخدام قوة دك الأرض، وهي قوة بتخليه يتحكم بالعمالقة ويخليهم يبيدوا ويقتلوا بقية البشر في العالم فقط عشان هو وقبيلته أو نسله أو دولته تعيش بدون تهديد من بقية البشر، وبالفعل بتنطلق العمالقة وبتبدأ تقتل كلّ البشر في العالم عشان يعيش البطل هو وجماعته!

الكاتب في النهاية بيوضح إن قصته ملهاش أي مغزى أو هدف، مفيش أي فكرة وراء كل الصراع الطويل ده، الموضوع ببساطة مجرد صراع على البقاء، كائنات عايزة تعيش فبتاكل كائنات أضعف منها، أو صراع بين بشر وبشر تانيين عشان اختلاف ثقافتهم لا أكثر، لكن هل الهدف من الصراع داه هو نشر العدل في الأرض مثلا؟ أو إخراج البشر من جهلهم وتعليمهم؟ أو توجيههم إلى الأخلاق والسلام؟ أو تعريفهم بالله وإنه مركز كل شيء، وإن البعث هو مصير محتوم لكل كائن عاقل؟ في الحقيقة لأ! الموضوع كله صراع من أجل القوة والبقاء والتطور لا أكثر ولا أقل. القصة بتظهر في النهاية إنها قصة عبثية عدمية ملهاش مغزى، وبتدعو للتشاؤم وبترسخ قناعة إن الحياة كلها ملهاش معنى وكلنا هنموت ونرجع للعدم تاني، أو بمعنى أدق (إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين)!

ديه أول فلسفة للعمل، أما تاني فلسفة للعمل هي فلسفة المسيح المخلص، لكنها معكوسة شوية.
إيرين بطل العمل، هو أشبه بالمسيح المنتظر لجماعته (الإلديين) وهي جماعة مضطهدة كل العالم بيكرهها وبيحاول يدمرها لإنها السبب في ظهور العمالقة وخرابهم، وبالأخص لإن مؤسستهم هي (يومير) ملكة العمالقة، وأول عملاقة في التاريخ. إيرين في النهاية بيقرر يخاطر بحياته مقابل إنقاذ شعبه وبيقرر يقتل العالم كله، وده أشبه بقصة المسيح في نهاية الزمان لما يأتي ويحارب العالم كله من أجل أن يرجعوا إلى الله ويؤمنوا به، حتى لا يبقى كافر واحد على وجه الأرض. ولكن الفرق بين القصتين، إن المسيح غايته توحيد البشر وتوجيههم إلى الله، وإلى خالق الكون ومدبره وتعريفهم به مرة أخرى، بعد عصور جاهلية طويلة وبالطبع إقامة العدل في الأرض، وأما دور إرين بطل هجوم العمالقة فهو قتل كل البشر عشان فقط شعبه يعيش! طيب وايه الغاية من إن شعبه يعيش في النهاية؟!

الإجابة…ولا شيء! مجرد بس إنهم يبقوا على قيد الحياة وتستمر قوة العمالقة، والحياة تستمر في الدائرة العبثية من الصراع الأبدي بدون هدف أو غاية أو ثواب أو عقاب! ناس كتيرة معجبتهاش نهاية العمل واتوجهت انتقادات كثيرة للعمل ونهايته بعد ما انتهى، لدرجة جعلت الكاتب يفكر بجدية يغير النهاية.

في النهاية أقول، محدش يقدر ينكر قوة عمل هجوم العمالقة ومدى القصة القوية اللي كانت فيه ولكن كل القصة القوية ديه ضعفت وسقطت لما ظهرت فلسفة العمل اللي بتقول بصراحة إن الحياة ملهاش أي معنى غير الصراع والتطور! الحياة أعمق من هذا بكثير…ولا ايه رايكم؟!

Share Button
عمار المصري

عمار المصري

هو روائي ومترجم تخرج من كلية لغات وترجمة قسم إنجليزي في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا يعمل كمترجم وكاتب في أدب الخيال العلمي والفانتازيا، وعضو فعال في الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمي والتي تضم أسماءً لامعة في هذا النوع من الأدب، فاز بجائزة القصة القصيرة للطفل في أدب الخيال العلمي التي أقامها عميد أدب الطفل يعقوب الشاروني في أحد فعاليات الجمعية المصرية لأدب الخيال العلمي، ونشرت قصته في مجموعة قصصية بعنوان "المستقبليون" وعنوان القصة هو "الساعة الذهبية"، وترجم رواية الظل خارج الزمن للافكرافت مع د. أحمد تركي ونشرت مع دار دارك للنشر والتوزيع في معرض الكتاب للقاهرة، وتلاها رواية جني الرمال وتقرير الأقلية واللعبة الأكثر خطراً والمانح ٢. نشر له الجزء الأول والثاني والثالث من سلسلة العالم الجديد، بعنوان (ظلال أطلانتس) و (عرش أطلانتس) ويختم السلسلة بالجزء الثالث والآخير منها بعنوان (قلب أطلانتس) مع دار الكنزي للنشر والتوزيع. ونشر له رواية الملاك الأسود مع دار الكنزي، ورواية عصر الأبطال (الغراب) مع دار أدباء ٢٠٠٠.

اترك رد